الخطيئة الأولى

قصة قصيرة      شيماء ننتوسي


ما الذي يدفعني للخروج الآن؟ أمر وحيد و هو الجوع فقط، لأجلب ما نحتاج إليه من قوت وأعود بسرعة وبكثير من الوساوس والخوف، للبقاء هنا أطول فترة ممكنة، والشيء الذي يحافظ على ثبات النفس في هذا الحجر هو راحتها وسكينتها، لا شيء يدعوني للشوق للأيام العادية الرتيبة المرهقة، التي ترغمني للخروج وتمضية اليوم كسابقه من أحداث وأوجه ومسافات أقطعها يوميا لنفس الغرض، فمثلا نفس الأوجه في محطة الحافلة، نفس الشرطي دائما يرتدي نفس الملابس ويقف في ذات المكان بنفس التوقيت بطريقة غريبة، نفس الجملة تقال "عطيني الورقة.. جبدي لاكارط"، نعيد دائما على مسامع بعضنا "صباح الخير.. مساء الخير.. نلتقي غدا"، نفس الأشياء تعاد دائما و التي تصيب النفس بالتعب والضجر.
الشيء الوحيد الذي يدعو للخروج بعد كل هذا بفرح كبير، محاصرة في شخص أصدقائي، هذا يدعوني للصبر حتى ألقاهم   وأعانقهم بشوق وحب كبيرين.
بالأمس إنضاف شخص متفرد في كل شيء عن الآخرين، شخص أحبه قال لي "سنلتقي بعد إنتهاء الجائحة"، بعد رسائل طويلة فسر بها غيبته، و بعد قطيعة طويلة العمر سنلتقي، ليس شخصا معلونا هكذا حتى أنني لا أستطيع الإشهار باسمه في أي مكان آخر، يكاد يكون وهميا.. لكنه حقيقي جدا.
  لا شيء هنا يدعو للحياة أكثر من أصدقاء رائعين، وحب كبير.. او بالأحرى ما تبقى منه.
 تستعيد ذاكرتي في أحيان كثيرة جمل بعض الأصدقاء ومواقف ومناسبات جميلة قضيناها معا، أتذكرها كل يوم تقريبا، أما هو وبعد قطيعتنا تلك، كنت أتجاهل ذكراه، أتحجج بأنه إختار هاته المسافات فالى جحيمه بها، وهكذا كنت أتجاهله في هذا الحصار وحتى قبله.
لكن الآن الوضع مختلف بعض الشيء، أنا أتوق له أكثر من الأيام الأخرى التي قضيناها معا، سأخبره بقصص كثيرة أجلتها وأقرأ له نصوصي الغير مكتملة، سيعتذر لي أول الأمر وسأغفر له ربما! هو بحاجة للمغفرة وأنا بحاجة ملحة لإعتذاره.
لكن ما حدث معي هذا الصباح أنني رأيته في الخارج من نافذة غرفتي، يدخن سيجارته وينفث دخانها هكذا يمنة ويسرة كأنه يريد طرد فكرة من رأسه، وتذكرت أنه لا يعرف سكني الجديد ولا نافدة غرفتي، ولا أدري كيف وصل إلى هذا المكان، وكأنه أيضا أحضر رفقته شيئا من ذكرى قديمة جدا، أحضر معه جدارا قديما واتكأ عليه وجلس قبالتي، ومن يحمل جدارا معه كل هذه المسافات؟
وهكذا اختفى ثانية في رمشة عين واختلط بدخان سجائره، و لا أدري مالذي حدث بعدها ووجدتني مستلقية في مكاني لم أستيقض بعد!
أفكر كثيرا في يوم لقائنا حتى أنني لا أريد أن أستقل الحافلة لأصل إليه، سأذهب ماشية وربما حافية القدمين، بفرح ولهفة مختلفين، سأتحاشى المرور قرب ذللك الشرطي الذي يقف هناك ربما منذ الأزل والذي يهيؤ لي أنه قد يظل واقفا هناك أبدا، سأصل مكان موعدنا مرهقة سعيدة وربما سأضمه لي بفرح طفلة كما لم أفعل من قبل، لكنني حقا سأكون بحاجة لإعتذار عظيم،اعتذار بهذا الحجم: " أعد التفاحة إلى حقل سيدها، أعدها واعتذر، واغفر لنا خطيئتنا الأولى، حتى لا يكون لنا هذا اللقاء".
وإذا غفرت الجنة لآدم تلك اللقمة، ربما سأنتهي وينتهي هذا النص، ولن يكون بعد ذلك اللقاء قبلة.

إرسال تعليق

أدرج تعليقا

أحدث أقدم

نموذج الاتصال